أريد من خلال هذا المقال أن نبدأ بمواجهة أنفسنا عامة وخاصة كمسيحيين في المنطقة العربية مهما كانت خلفيتنا، وأن نحلل أفعالنا وردود أفعالنا اتجاه الآخر. في أغلب الأوقات سيكون الآخر بالنسبة إلينا شخص، إما من خلفية دينية أخرى، أو من خلفية عرقية مختلفة، أو لغة أخرى أو ثقافة أخرى …إلخ. نشاهد الظلم كل يوم ونتعاطف مع المظلومين المتألمين ونصرخ مشتاقين للعدالة وفي الوقت عينه نريد أن نكون أمناء مع رسالة سيدنا المسيح التي هي رسالة غفران للأعداء. ولعل محبة الغريب (أو القريب) هي من أصعب القضايا الأخلاقية التي تواجه شعوب منطقتنا.
نتج عن تمرد الانسان ضد الله تحطم في العلاقات (مع الله ومع الإنسان)، وكذلك الإحساس بعدم الأمان والخوف من الغير. لذلك يكره الانسان أخيه الانسان وينفر منه محاولة الحفاظ على نفسه ومصلحته (هذا ما نتعلمه من قصة قايين وهابيل في بداية الكتاب المقدس تكوين ٤). نلتمس اليوم هذه الكراهية على جميع الشاشات والأخبار…شعب يهجم على شعب، دولة على دولة أخرى، عرش على عرش، ونحن من نتحمل نتائج كل هذه السيناريوهات. أردت في هذا المقال أن أسأل سؤال جوهريا. يا ترى كيف كان سيتعامل المسيح مع هذا الموقف؟ ما هي مسؤوليتنا أمام هذا الوضع؟
أظهر المسيح في أحيان كثيرة، روحا جميلة، تتعاكس تمام مع الفكر السائد في مجتمعه أنذك، ونرى ذلك في طريقة تعامله مع الشعوب المكروهة والمنبوذة من طرف مجتمعه اليهودي. على سبيل المثال العلاقة بين اليهود والسامريين. العداوة والبغض القائمين بين هذين الشعبين لا يقلا شدة عن الكراهية القائمة بين الناس في أيامنا. بالتالي نستطيع أن نتعلم الكثير من موقف المسيح مع السامريين في تعاملنا مع المجموعات المكروهة والمنبوذة (يوحنا ٤: ١٩-٣٤). إذا كنت تشعر بشيء من التفرقة أو الكراهية اتجاه شعب معين أو مجموعة معينة وبغض النظر عن الأسباب. ربما مصدر هذه المشاعر هي التربية أو الظلم الذي تعرضت له أو توجه إيديولوجي معين. يهمك أن تشخّص هذه المشاعر وأن تبدأ في تغيير نظرتك للعالم على ضوء الكتاب المقدس. يدعونا المسيح ويقول “تحب قريبك مثل نفسك” (لوقا١٠: ٢٧). يقول أيضا “أحبوا أعدائكم” (لوقا ٦: ٢٧). ويجب التحديد، بأن المحبة في كل هذه النصوص، لا تشير الى مشاعر جامدة، بل الى محبة ديناميكية ومبادرة تقوم على التضحية. بالنسبة إلى يسوع، فإن محبة القريب هي ممارسة العدالة تجاه إخوانك (الأقرباء أولا وثم الغرباء) من بني البشر. لك بعض الأمثلة من الكتاب المقدس حول طبيعة المحبة المرجوّة:
عش بسخاء تجاه الفقراء والأجانب (لاويين ١٩: ٩-١٠)
لا تسرق من أحد، لا تكن خادعا في التعامل مع الناس (لا ١١: ١٩)
لا تقمع أو تسلب أو تستغل الفقراء (لا ١٩: ١٣)
أقضي بصدق (لا ١٥: ١٩)
لا تكره اخيك (لا ١٧: ١٩)
لا تسعى للانتقام أو تحمل ضغينة، بل مد الصفح (لاويين ١٩: ١٨).
اهتم المسيح بشدة في كل حياته بالمساكين والضعفاء والمظلومين بينما يهتم قادة عالمنا إلا بالأقوياء والأغنياء. يساء كثيرا اليوم فهم الطموح ويعتقد العديد من الناس أن الطموح هو سعي أناني لمزيد من السلطة والقوة، ونعلم في المقابل بأن لا مكان لهذا الموقف في نظرة المسيح للعالم. لقد أعاد سيدنا المسيح تعريف الطموح، وحوّل هدفه الى خدمة الآخرين دون أن ينزع شيئا من دافعه للإنجاز. وبهذا ساد التواضع على الطموح بدلا من التفاخر والاهتمام بالذات. نموذج المسيح في المحبة والخدمة كان دائما التضحية بالذات عوضا عن خدمة الذات (مرقس١٠: ٤٣-٤٥). يجب أن تُفهم محبة المسيح بأنها إعادة توجيه للأفضل، وليس خسارة الذات. المحبة في نظر المسيح ليست إلغاء “الأنا”، إنما هي الأنا الخاضعة لسيادة الله والثقة في عدله.
في نظر المسيح، المحبة توازي البر. هذا الأخير لا يعني الكمال الأخلاقي فحسب، بل هو وفاء المرء بالتزامه نحو الضعفاء، الأقليات، الفقراء والغرباء. عندما ننظر إلى تعاملات المسيح مع الناس، نرى أنه كان يتعامل بدون تفرقة مع الجميع. المذنبين والعشارين والفريسيين والصدوقيين والرومان والسامريين والصيادين والنساء والأطفال وذلك دون اعتبار لنظرة المجتمع لهم. قال يسوع أننا يجب أن نحب الآخرين كما أحبنا هو. فكيف أحبنا؟ “وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا” (رومية ٥: ٨)، أي بدون شروط واستحقاق.
لقد قام المسيح بتغيير الطريقة الشائعة في معاملة الناس بصورة جذرية. فبدلاً من معاملة الناس بنفس طريقة معاملتهم لنا، أو بالطريقة التي يستحقونها، علينا أن نعاملهم كما نريد منهم أن يعاملوننا. “وَكَمَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا أَنْتُمْ أَيْضاً بِهِمْ هَكَذَا” (متى٧: ١٢). في هذا العدد من الإنجيل يقدم لنا المسيح طريقة عملية لمحبة الآخرين وهي أن نتخيل أنفسنا مكانهم. فنفكر حينها كيف نود أن يعاملنا الآخرين في موقف مماثل.