تجديد الذهن – الجزء الأول – Zawia360

تجديد الذهن – الجزء الأول

“وَلاَ تُشَاكِلُوا هَذَا الدَّهْرَ بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ”. رومية ١٢: ٢

هل قيل لك بعد أن آمنت بالمسيح وأن قررت اتباعه أن المؤمن المسيحي خليقة جديدة؟ وأنه يتوجب عليك الآن أن تجدد ذهنك وتغير تفكيرك وتصرفاتك بصورة جذرية؟ ربما تتساءل ما هي المشكلة في ذهن الانسان؟ لماذا نحتاج الى تجديد الذهن لكي نتبع المسيح؟

يعتقد كثيرون أن مشكلة الانسان تكمن في المعرفة والمعلومات. يقولون أن إذا حصل الناس على المزيد من المعرفة فسيبتعدون عن الشر. ما يجهله هؤلاء هو كون ذهن الانسان يتمتع بما يسمى ب “العقلية” أو “وجهة نظر” أو “ذهنية” وهذه كلها تتجسد في الأفعال والمواقف. لا تتعلق المشكلة بمحدودية المعلومات أو عدم التمكن منها. تكمن المشكلة في أذهاننا عندما تكون “مشوشة”. نحن نتمتع ب “عقلية” معادية لسيادة الله المطلقة ولا تتماشى مع مبادئ ملكوته. أصبحت قلوبنا لا ترحب بمحبة الله، كما وأصبحت عقولنا مبرمجة على عدم رؤية صلاح الله. هل ترى الآن الحاجة الى تجديد الذهن؟

المسيحية كما أرادها المسيح ليست تديّن بل هي حياة مجددة، حياة مجددة في الفكر والقلب وكذلك في الفعل. تلد القناعات الجديدة مبادئ مجددة ويليها أعمال جديدة. لكن، كيف نضمن حدوث هذه العملية بنجاح؟ كيف ينتقل الانسان من أفكار وقناعات الى أن يصبح إنسان جديد يتمتع بذهن مجدد؟

يختصر البعض هذه النقلة في تطبيق مجموعة من العادات والطقوس أو حتى الأعمال الحسنة ضمن نطاق معين. ينتج عن ذلك توافق في حياة الناس مع نموذج اجتماعي معين (الكنيسة على سبيل المثال أو المجتمع الذي نعيش فيه). وبهذا يبقى الانسان في حالة تديّن فارغة ومخيبة الامل بسبب التوقعات الدينية العالية مقابل واقع ضعيف. هذا هو بالضبط التحدي الذي يواجه الشباب الالفيين اليوم عندما يتحصلون على تعاليم تخص الايمان. يتساءل الالفيين اليوم عن كيف ينبغي أن يحيوا حياتهم اليومية سواء في المدرسة أوفي العمل أو البيت على ضوء تعاليم الإنجيل؟ كيف يتعاملون مع معلومات ومبادئ الكتاب المقدس الجديدة؟ ماذا عن الأمور القديمة التي في حياتهم؟ ماذا عن عاداتهم مع أصدقائهم؟ ماذا عن جروحهم؟ ماذا عن عائلاتهم؟ ماذا عن عيون المجتمع المُدينة والتي تراقبهم؟ لا ننسى أن الانسان عبارة عن كتلة من الاختبارات والمشاعر وهو أيضا جزء لا يتجزأ من مجتمع.

في الطرف الآخر، يرى آخرون أن عملية تجديد الذهن هي مجرد التمتع بتفكير إيجابي. هذا اعتقاد سائد جدا اليوم في أوساط التواصل الاجتماعي مع وجود كل المتكلمين والمحفزين عن الايجابية. بحسب الكتاب المقدس هذا تفكير سطحي ومُعرّض لتقلب دائم بسبب غياب حقيقة ثابتة. تجديد الذهن لا يحدث بواسطة مجموعة من الأقاويل الجميلة ذات التعابير المنعشة وذات مفعول وقتي. رسائل الإيجابية هي عبارة فقط عن مسكنات للألم وغطاء للصراعات الباطنية لدى الانسان، ولا تعالج جذور مشكلة الإنسان العميقة. تأمل معي في هذه الكلمات من الإنجيل في (٢تيموثاوس ٤: ٢-٤) وتأمل في الكلمات البارزة:

اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ. اعْكُفْ عَلَى ذَلِكَ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ. وَبِّخِ، انْتَهِرْ، عِظْ بِكُلِّ أَنَاةٍ وَتَعْلِيمٍ. لأَنَّهُ سَيَكُونُ وَقْتٌ لاَ يَحْتَمِلُونَ فِيهِ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ، بَلْ حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ الْخَاصَّةِ يَجْمَعُونَ لَهُمْ مُعَلِّمِينَ مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ، فَيَصْرِفُونَ مَسَامِعَهُمْ عَنِ الْحَقِّ، وَيَنْحَرِفُونَ إِلَى الْخُرَافَاتِ.

اول خطوة في عملية تجديد الذهن تتركز في تشخيص العقليات (الذهنيات) غير السليمة والكاذبة التي يزرعها المجتمع عامة وإبليس خاصة. السلوك الذي نظهره هو نتيجة لاعتقاداتنا في اللحظة الراهنة. مواقفنا هي ترجمة لذهنياتنا. لو كنا نؤمن بكذبة معينة عن أنفسنا أو عن الله، سوف تعكس سلوكياتنا وردود أفعالنا هذه الكذبة بالتمام

ألم يطلق الكتاب المقدس تعبير “كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ” على إبليس؟ أطلق عليه هذا اللقب ليس لأنه كذب في البدء على آدم فحسب بل لأن الكذب هو سلاحه الأول ضد الإنسان. أؤمن أن بذرور إبليس الكاذبة تُزرع في الذهنيات وهذا هو مكان المعركة المفضل لديه. إذا استطاع أن يسيطر على افكارنا فهو حتما سيسيطر على حياتنا بأكملها. على سبيل المثال، أحد العقليات السلبية التي يمكن أن تكون لديك هي أن تقول “يا الله ارجوك ان تسهل كل الأمور امامي لأنني لا أتحمل الضغط”. الامر عينه حدث مع الشعب في الكتاب المقدس عندما قابلتهم ظروف صعبة في الصحراء فعوضا عن اللجوء الى الله، بدأوا بالتذمر من وضعهم. لقد اعتقدوا ان مشكلتهم كانت، في الأعداء والظروف بينما كانت، في الحقيقة في ذهنياتهم. لذا فعوضا من المضي قدما واختبار أمور جميلة في حياتهم كان عليهم ان يُأخذوا في طريق البرية من اجل اعدادهم. هل رأيتم كيف تسيّر الذهنيات كل جوانب حياتنا؟

يقول (جون بايبر) في أحد عظاته عن الذهن المجدد “لا يعوض التجديد والتغيير قائمة أعمال الجسد (الشهوة) بقائمة أعمال الشريعة”. يعلمنا الانجيل أن نستبدل اعمال الجسد (الشهوة) بثمر الروح وليس بأعمال الشريعة. كمؤمن بالمسيح، يمكن أن تعيش مستاءا لسنين بسبب أنك تستيقظ في الصباح وتبدأ يومك بأفكار سلبية وبذهنية مشوشة ومحبطة. ربما يعود ذلك لماض مشوش ومهدود. يتحكم الماضي القديم المختزن في أذهاننا بما نقوم به في أفعالنا وبردود أفعالنا. لهذا يريد الله أن يُحدث تجديدا فينا. ليس المقصود هنا أن ينسينا الماضي أو أن يزيله أو يغيره (هذا أمر مستحيل)، إنما أن يغيّر في تأثير الماضي على أفعال وقرارات الحاضر. تبقى الأحداث كما هي لكن تأثيرها علينا يتغير لأننا نرى الأمور بمنظار وعدسة جديدة.

ترتبط عملية تجديد الذهن ارتباط مباشر بعبارة “إرادة الله” المذكورة في الآية (رومية ١٢: ٢). يحدث التغيير وتجديد الذهن عندما تتفق ارادتنا مع إرادة الله وعندما ننجح في استبدال التفكير الذي يركز على الذات والمجتمع بتفكير يركز على الله. وبهذا تُستبدل الأكاذيب في حياتنا بالحقيقة الروحية التي نأخذها من الله وكلمته. يبدأ التجديد الذهني في اللحظة التي نبتدأ فيها استبدال الذهنيات السيئة بذهنيات سليمة وذلك بالتدريب. هذه هي الطريقة الوحيدة لتشجيع أنفسنا على التفكير بالشكل الصحيح وبالتالي التجديد. حينها ننظر الى اختبارات وتحديات حياتنا بعيون الله فنكون على الطريق الصحيح لكي نحيا حياة صحية ومنتصرة

عملية التجديد هي رحلة ولا تحدث في يوم واحد. بمجرد أن نتبنى ذهنية سليمة علينا أن نبقى عازمين على إبقاء أفكارنا مركزة في هذا الاتجاه. بإمكانك التغيير اليوم. يتعلق ذلك أولا بتصديق ما يقوله الله (الحقيقة) أكثر مما نعتقد نحن أو آخرون أو ظروفنا. ويتعلق ثانيا بالتمثل بالمسيح فقط لأنه هو وحده جُرّب في كل شيء مثلنا. يعرف، ويشعر ويدرك تحدياتنا؛ سواء كان حزن، ظلم، رفض، احتقار، خيانة، جرح، فقر، سلطة، اضطهاد…هذه كلها أمور اختبرها وبقي أمينا حتى النهاية.

إذا أعجبك هذا المقال، لا تنسى أن تتابع الجزء الثاني والتطبيقي منه، حيث سنتطرق فيه لبعض الذهنيات غير الصحية التي يمكن أن تكون لدى المؤمن. سنقترح أيضا بعض الطرق العملية لمحاولة تغيير تلك الذهنيات من أجل اختبار السلام والنجاح في حياتنا

هل لديك تساؤلات حول محتوى الصفحة؟

اكتشف كيف يمكنك أن تختبر السلام مع الله. إذا كنت ترغب في التحدث مع شخص، فنحن لدينا مرشدين في انتظارك للاستماع لك والاجابة على أسئلتك

Chat Agent2