طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا (اقرأ يعقوب ١: ١-٤).
حين يُولَد الرضيع، توجد لحظة ترقُّب ينتظرها كلّ الحاضرين بتشوق وهي أن يبدأ الرضيع بالتنفس. وكذلك حين يُولَد شخص: الولادة الثانية بالإيمان بمحبة الله، يبدأ في الحفاظ على حياته بالصلاة. قال رجل حكيم يُدعى رولاند هيل ذات مرة: الصلاة هي أنفاس النَفْس المولودة ثانيةً، ولا توجَد حياة بدونها.
ومن هذا المنطلق، حين يتكلم الناس عن: حياة الصلاة، فعليهم أن يدركوا أنَّ الصلاة ليست ملمحًا من ملامح الحياة الروحية، بل هي ما يغذي حياة الروح. في الصلاة، تتكلم مع أبيك الذي في السماء، وتشكره، وتسبحه، وتباركه، وتحبه، وتطلب مساعدته لك وللآخرين في وقت الاحتياج. في نفس الوقت، هو يرغب أن يتكلم معك بكلمات الحب والتشجيع. لكن يكون من الصعب أحيانًا أن تعرف إنْ كان الله يستجيب صلواتك أم لا، ولا تقدر فعلًا على سماع إجاباته. ستساعك المفاتيح الأساسية التالية لحياة الصلاة أن تعرف أنَّ صلواتك سمعها الله واستجاب لها.
ما هي الصلاة؟
الصلاة هي محادثة ثنائية مع الله. إنها أكثر علاقة حميمة يمكنك أن تحصل عليها مع الخالق. في الصلاة، تكون أعماق روحك في اتصال مع أعماق روح الله. ومن الممكن أن ينتُج عن هذا توجيه، وإرشاد، واقتراحات لمواضيع جديدة تركز عليها في الصلاة.
كيف أصلي؟
حين سأل التلاميذُ يسوعَ كيف يصلُّون، أعطاهم ما نسميه: الصلاة الربانية (متَّى ٦: ٩-١٣). حين تتأمل في كلّ عِبارة، ترى كيف أنَّ هذه الصلاة تلمس كلّ جانب من جوانب حياتنا ومن شخصية الله. إنها دليل كامل رائع لصلواتنا وتُعتبَر نموذجًا جيدًا نبني عليه. حين نصلي هذه الصلاة، نبدأ باعترافنا بأبوة الله القدير حين نقول، أبانا الَّذِي فِي السَّماءِ.
ثم نتعبد لاسمه. لأن اسمه يمثل طبيعته، فنحن نسبحه على طبيعته حين نقول: لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ.
ثم لا بد أن نهتم بنمو ملكوته. يجب أن نهتم أن يعرفه الناس ويخضعوا له، لذلك نقول: \”لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ، لِتَكُنَ مَشِيئِتُكَ، كَمَا فِي السَّمَاءِ، كَذَلِكَ عَلَى الأرْضِ.
ثم ننتقل إلى اهتماماتنا الشخصية ونطلب من الله خبز يومنا – ليس الخبز الحرفي، بل كلّ ما نحتاجه لنتمم عمله. هذه الصلاة هي لتسديده احتياجاتنا المباشرة، لذلك نصلي: خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ.
ثم تأتي صلاة للعتق من الخطية والذنب. هذه صلاة الاعتراف، والتوبة، والغفران: \”وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضاً لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا.\” إننا هنا نطلب من الله نعمته في علاقاتنا مع الآخرين. إنَّ غفران الله لنا وغفراننا للآخرين أمران يسيران جنبًا إلى جنب. إنْ أردنا استجابة لصلاتنا، يجب أن نكون على استعداد أن نغفر للآخرين، كما أنَّ الله على استعداد ليغفر لنا.
أَخِيرًا، نطلب حماية الله من التجربة والشر: \”وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ لَكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ.\” نطلب منه أن يبقينا في طريقه، حتى نتغطى بقوَّته ولا نخضع للتأثيرات الشريرة.
وتظهر هذه الصلاة نموذج يمكن أن نتبعه في صلواتنا. فيجب أن يكون الجزء الأول تسبيحًا لأبينا السماويّ، ونتبعه بالتشفع لاحتياجات الآخرين. ثم، في صلاة التوسل، نطلب تسديد احتياجاتنا الشخصية. وننهي أيَّة صلاة بتسبيح وشكر لأبينا، الذي من محبته لنا يستجيب صلواتنا.
اختم صلاتك بالتسبيح، كما ختم يسوعُ الصلاة الربانية قائلًا، لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ. (متى ٦: ١٣).
كيف أعرف أن الله سيستجيب صلواتي؟
هناك فيض في الكتاب المقدس من الوعود المتكررة أنَّ الله يسمع لطلبات أبنائه ويستجيبها. وَهذِهِ هِيَ الثِّقَةُ الَّتِي لَنَا عِنْدَهُ: أَنَّهُ إِنْ طَلَبْنَا شَيْئًا حَسَبَ مَشِيئَتِهِ يَسْمَعُ لَنَا. وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَهْمَا طَلَبْنَا يَسْمَعُ لَنَا، نَعْلَمُ أَنَّ لَنَا الطِّلِبَاتِ الَّتِي طَلَبْنَاهَا مِنْهُ. (يوحنا ٥: ١٤ و١٥).
معنى أن تصلي بحسب مشيئة الله هو أن تصلي بطريقة تتفق مع مبادئ كلمته. يرينا الكتاب المقدس إنَّ طلبة البار تُستجاب: \”طَلِبَةُ الْبَارِّ تَقْتَدِرُ كَثِيرًا فِي فِعْلِهَا (يعقوب ٥: ١٦). لكن البِرّ يعني أكثر بكثير من \”الحياة النظيفة.\” والأكثر من ذلك، إنَّه يعني الاتكال على الله أن يعطينا حلولًا لكل مشكلة نواجهها.
كان نبيّ العهدِ القديم إِيلِيَّا رجلًا بَارًّا. \”صَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ. ثُمَّ صَلَّى أَيْضًا، فَأَعْطَتِ السَّمَاءُ مَطَرًا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا.\” (يعقوب ٥: ١٧ و١٨).
إنْ أردتَ سيولًا من البركة في أرض جافة وعقيمة، لا تنسَ أن المفتاح هو البِرّ– ثقتك في وعود الله.
حين تسلِّم طلباتك لله، كن مؤمنًا أنَّ مشيئته ستتم بحسب عظمة قوَّته وحكمته. لا تستهِن بقدرة الله أن يصنع لك طريقًا حين يبدو هذا مستحيلًا. بسبب فهمنا وقدراتنا المحدودة، فنحن غالبًا ما ننسى قوَّته وحكمته التي بلا حدود.
اطلب بإيمان، وكُن مثل إبراهيم حين تصلي. يقول الكتاب المقدس عن إبراهيم: وَلاَ بِعَدَمِ إِيمَانٍ ارْتَابَ فِي وَعْدِ اللهِ، بَلْ تَقَوَّى بِالإِيمَانِ مُعْطِيًا مَجْدًا للهِ. وَتَيَقَّنَ أَنَّ مَا وَعَدَ بِهِ هُوَ قَادِرٌ أَنْ يَفْعَلَهُ أَيْضًا. (رومية ٤: ٢٠ و٢١).
وأخيرًا، قال لنا يسوع أن نصلي في اسمه (يوحنا ١٤: ١٣ و١٤). إنَّه هو مهندس كل ما هو كائن، وخالقه، والممسك به، وقد وعد التلاميذ بكلماته هو حين قال: كُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ حِينَمَا تُصَلُّونَ، فَآمِنُوا أَنْ تَنَالُوهُ، فَيَكُونَ لَكُمْ. (مرقس ١١: ٢٤). لا يوجد عائق يقف أمام قوَّته: الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ قَالَ لِهذَا الْجَبَلِ: انْتَقِلْ وَانْطَرِحْ فِي الْبَحْرِ! وَلاَ يَشُكُّ فِي قَلْبِهِ، بَلْ يُؤْمِنُ أَنَّ مَا يَقُولُهُ يَكُونُ، فَمَهْمَا قَالَ يَكُونُ لَهُ.\” (مرقس ١١: ٢٣).
ابدأ يوميًّا الصلاة بشأن أكبر عائق تواجهه، وأصدر أمرًا لهذا الجبل الشخصي أن ينتقل بقوة اسم يسوع.
كيف أعرف مشيئة الله؟
تستطيع فهم مشيئة الله بأحسن صورة من خلال مزيج من المصادر المختلفة، هذه المصادر يعادل ويكمل بعضها الآخر، وتحمي المؤمن من الأخطاء. أول مصدر هو الكتاب المقدس. إنْ كانت لك معرفة بالكتاب المقدس، ستعرف مشيئة الله، لأنه أخبرنا بها في كلمته. يقول الكتاب المقدس: لْيَمْلِكْ فِي قُلُوبِكُمْ سَلاَمُ اللهِ … (كولوسي ٣: ١٥).
هذا السلام الذي تختبره حين تكون في شركة مع الله (أو لا تشعر به) يُمكِنه أن يريك إنْ كنتَ تصلي بحسب مشيئة الله أم لا. ويكشف الله أيضًا مشيئته لنا من خلال المشيرين الأتقياء، الذين نثق في حكمتهم وحياتهم مع الرب. ونستطيع أيضًا، أحيانًا، أن نميز مشيئته من خلال الظروف التي تبدو مؤيدة أو مانعة لعمل ما.
لكن لا تنسَ، مهما كانت الطريقة التي يظهِر لك بها الرب مشيئته، فلا بد أن تكون متوافقة مع كلمته، الكتاب المقدس. لن يناقض اللهُ نفسَه، فهو لَنْ يَقْدِرَ أَنْ يُنْكِرَ نَفْسَهُ (٢ تيموثاوس ٢: ١٣).
عندما نعرف مشيئة الله يجب أن نمكث فيها، ثابتين في الرب يسوع الذي قال: نْ ثَبَتُّمْ فِيَّ وَثَبَتَ كَلاَمِي فِيكُمْ تَطْلُبُونَ مَا تُرِيدُونَ فَيَكُونُ لَكُمْ (يوحنا ١٥: ٧). لا نقدر أن نثبت في يسوع وفي نفس الوقت نتمسك بالشك، أو عدم الغفران، أو البغضة، أو المرارة. هذه الخطايا تمنعنا عن هذه العلاقة الحميمة التي يريدها الرب معنا، وهي أمور ستعتم على قدرتنا أن نعرف مشيئته (مزمور ٦٦: ١٨).
ماذا عن الصلاة غير المستجابة؟
لا يوجد مكان في كلمة الله يقدم الله فيه وعدًا أن تكون كلّ استجاباته في الحال. ولكن للأسف، يذهب الكثيرون لمحاولة قياس استجابة الله بما يقدرون أن يروه في الحال بمداركهم الطبيعية. علينا أن ننتظر الرب إن كان هذا مطلوبًا، \”وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى\” (العبرانيين ١١: ١).
جنح الكثيرون إلى الإحباط وفقدان العزيمة لأنهم لم يروا استجابات طلباتهم في الوقت الذي توقعوا أن يروها فيه. فإنْ تأخرَت الاستجابة، لا تشك. لا يفعل الشك سوى تقويض قدرتنا على رؤية أيَّة استجابة لطلباتنا.
يقول الكتاب المقدس عن من يصلي: وَلكِنْ لِيَطْلُبْ بِإِيمَانٍ غَيْرَ مُرْتَابٍ الْبَتَّةَ، لأَنَّ الْمُرْتَابَ يُشْبِهُ مَوْجًا مِنَ الْبَحْرِ تَخْبِطُهُ الرِّيحُ وَتَدْفَعُهُ. فَلاَ يَظُنَّ ذلِكَ الإِنْسَانُ أَنَّهُ يَنَالُ شَيْئًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ. (يعقوب ١: ٦ و٧).
كثيرًا ما نعتقد أنَّ الله فشل في استجابة صلاة ما وأنه لم يكرم كلمته، بينما يكون الله في الواقع يعمل على شيء ما في حياتنا أبعد مما كنا نظنه ممكنًا. يجب أن نصبر ونضع في أذهاننا أنَّ طرقه أبعد بكثير من طرقنا، لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ هَكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ (إشعياء ٥٥: ٩).
هل من المسموح أن نصلي أكثر من مرة من أجل أمر ما؟
قال يسوع إنَّ علينا أن نصلي كلّ حين ولا نمل (انظر لوقا ١٨). واستخدَم مَثَل قاضي الظلم والأرملة الفقيرة التي ظلَّت تطلب منه الحماية القانونية. وبسبب مثابرتها، منحها القاضي طلبها. بنفس الطريقة، علَّم يسوع أنَّ الله يسمع ويستجيب الصرخات المستمرة الصادرة من أبنائه.
كما أنَّ يسوع قال أيضًا: اطلُبُوا تُعْطَوا، اسعُوا تَجِدُوا، اقرَعُوا يُفتَحْ لَكُمْ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ (متَّى ٧: ٧ و٨). كما أنَّ الكتاب يقول: صَلُّوا بِلاَ انْقِطَاعٍ (١ تسالونيكي ٥: ١٧). وبدل أن تسأل إنْ كان من الصحيح أن تصلي مرات ومرات أم لا، ربما عليك أن تسأل إنْ كان من الصحيح أن تتوقف عن الصلاة إنْ لم تجد استجابة. فعن طريق الصلاة المستمرة بإيمان، لا ننال فقط استجابة لصلواتنا، بل أيضًا ننضج في حياتنا مع الله.
يمكنك التقاط أنفاسك الآن حين تعرف أنَّ الله يرغب أن تسير معه باستمرار وأنَّه يعدك باستجابة صلواتك. تستطيع أن تبدأ الصلاة بجرأة واثقًا أنَّ الله الآن يكشف عن إجاباته بشأن المشاكل والمخاوف التي تواجهها. ستبدأ روحك الآن أن تصبح قوية ومفعمة بالحياة بسبب أنفاس الصلاة العميقة الواهبة للحياة. سيقوم الله بإكمال ما ينقصك وإكرام توسلاتك بحسب مشيئته.
لذلك، وأنت تسبحه في وقت صلاتك، تذَكَّر أن تسبحه لأنه الذي يسمع ويستجيب. لا تنسَ أن تشكره كثيرًا لأنه ليس عنك ببعيد بل هو قريب منك، يحارب حروبك، ويوجه اختياراتك.