يحيا المسيحي على رجاء الذهاب إلى السماء وهذا الرجاء، كما يعلمنا الكتاب المقدس هو رجاء مؤكد لا يخيب وليس مجرد حلم أو وهم. وقد أكد لنا السيد المسيح الذي جاء من السماء والتلاميذ الذين عاينوا ومضات منها، أنها مكان حقيقي فعلاً يتوق شعب الرب إليه حيث موطنهم الحقيقي وحيث يكونون مع الرب يسوع في محضره إلى الأبد لأننا نعلم أنه إن نقض بيت خيمتنا الأرضي فلنا في السموات بناء من الله بيت غير مصنوع بيد، أبدي (رسالة كورنثوس الثانية ٥: ١).
وقد يتساءل المرء، ماذا علم المسيح عن السماء؟ نقرأ في البشائر أن السماء هي بيت الآب أبانا الذي في السموات (متى ٦: ٩)، و في بيت أبي منازل كثيرة، وإلا فإني كنت قد قلت لكم: أنا أمضي لأعد لكم مكاناً (يوحنا ١٤: ٢)، واحترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم وإلا فليس لكم أجر عند ابيكم الذي في السموات (متى ٦:١). إن هذه الآيات تدل على حقيقة وجود السماء وطهارتها كون أن الرب يقول أنها بيت الآب، كما تدل ان الرب قد أعد لنا مكاناً ويدعونا إليه.
وعلم المسيح أيضاً أنه لا يوجد في السماء أي شائب، وأن الأشياء لا تهلك كما هي الحال على الأرض ولذا نصح اتباعه قائلاً اكنزوا لكم كنوزاً في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدا… (متى ٦: ٢٠). ويؤكد سفر الرؤيا هذا التعليم إذ يشرح لنا شكل مدينة الله وكل تركيبتها الهندسية ويقول أبوابها لا تغلق نهاراً لأن ليلاً لا يكون هناك… ولن يدخلها شيء دنس… (رؤيا يوحنا ٢١: ٢٥ و ٢٧). كما قال السيد المسيح أنه ليس هناك زواج في السماء بعد القيامة لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء (متى ٢٢: ٣٠).
أما عن الأسفار النبوية في العهد القديم والعهد الجديد، فواضح فيها هذه الأشياء عن السماء: هي مكان وجود عرش الرب وهذا المكان مليء بالقداسة لدرجة انه حتى الأنبياء وجدوا أنفسهم قذرين في محضر الرب كما قال أشعياء ويل لي إني هلكت لأني انسان نجس الشفتين لأن عيني قد رأتا رب الجنود (أشعياء ٦: ٥)، ونقرأ أيضاً للتلميذ المحبوب الذي أوصاه المسيح بأمه مريم أن يهتم بها (أنظر يوحنا ١٩: ٢٦- ٢٧)، أنه عندما رأى المسيح في السماء سقطت عند رجليه كميت، فوضع يده اليمنى علي قائلاً لي: لا تخف أنا هو الأول والاخر والحي وكنت ميتاً وها أنا حي إلى أبد الآبدين آمين ولي مفاتيح الهاوية والموت (رؤيا يوحنا ١: ١٧ و١٨). وفي كل هذه الرؤى للسماء نرى وجود كائنات أخرى في الكون موجودة في محضر الرب وقد وصِفت بتشبيهات معروفة للبشر ولكن طبيعتها غريبة عن طبيعة البشر والبعض منها من ضمنها مخلوقات تسمى ملائكة وهي فئات مختلفة ففي أشعياء مثلاً نقرأ فطار إلي واحد من السرافيم وبيده جمرة أخذها بملقط من على المذبح (أشعياء ٦: ٦)، وقال حزقيال النبي أنه رأى أربعة كائنات تبدو ما بين البشر والحيوانات بالوصف (أنظر حزقيال ١)، وقال أيضاً أنه رأى ما سماه بالكروبيم ولها شبه يد إنسان من تحت أجنحتها (حزقيال ١٠: ٨)، وقال يوحنا انه أيضاً رأى أربع كائنات حاول أيضاً تشبيهها بما هو مألوف بلغة البشر. وهذا يعني أن هناك كائنات لا علم لنا بها الآن سوف نلتقيها في السماء. وهناك أشياء لا نعرف عنها وكل ما أمكن من رآها أن يفعله هو إما الصمت او محاولة التشبيه، ولذلك نرى بولس يعطي خلاصة شرح ما في السماء بالقول ما لم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه (رسالة كورنثوس الأولى ٢: ٩).
يشجعنا الكتاب المقدس أن لا ندع أمور هذا العالم تسلبنا فرحتنا وتضيع حياتنا بل أن نعيش على رجاء القيامة وما أعده الله لنا ونبتغي كما فعل من سبقنا من المؤمنين وطناً أفضل أي سماوياً، لذلك لا يستحي بهم الله أن يدعى الههم لأنه أعدّ لهم مدينة (الرسالة إلى العبرانيين ١١: ١٠ و١٦).
وفي النهاية يخبرنا الكتاب وسمعت صوتاً عظيماً قائلاً هوذا مسكن الله مع الناس وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعباً والله نفسه يكون معهم إلهاً لهم. وسيمسح كل دمعة من عيونهم والموت لا يكون فيما بعد ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد لأن الأمور الأولى قد ولت. وقال الجالس على العرش ها أنا صانع كل شيء جديداً. وقال لي (ليوحنا) اكتب فإن هذه الأقوال صادقة وامينة (رؤيا يوحنا ٢١: ٣ – ٥).