نخصص هذا المنشور للتحدث عن هوية المؤمن التابع للمسيح في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ونقصد في هذه الحالة الذين هم من خلفية غير مسيحية وتبعوا المسيح وآمنوا برسالته.
يُعد التحوّل الديني من أعمق التحولات التي يمكن أن يختبرها الفرد على صعيد الهوية. تشير الدراسات إلى أن التحوّل الديني يغيّر بطريقة شبه جذرية هوية الشخص.[1] إليك ما قاله عمر بعد أن تبع المسيح “انقلبت حياتي رأسا على عقب. لقد شعرت أنني مُت والآن أنا إنسان جديد. أنا لست الشخص نفسه الذي عرفه أصدقائي”. على الرغم من هذا التعبير الصريح، إلا أننا اليوم نطرح أسئلة حول تابعية المسيح وما إذا كانت تلغي تلقائيا كل القيم والعادات الثقافية التي تبناها عمر على مدى السنين. التغيير في النظرة نحو العالم ستولد حتما صراعات في داخل المؤمن في المسيح من خلفية غير مسيحية. حتما سيكون هناك معركة بين النظرة العالمية القديمة والنظرة العالمية الجديدة إذ ستدّعي كل منها حق الوجود. يشبه هذا الصراع ما تطرق له الكتاب المقدس عندما تكلّم عن الصدام القائم بين الطبيعة القديمة والجديدة عند المؤمن. على سبيل المثال اختبار تحول بولس اليهودي وإتباعه المسيح (بعض الأمثلة: أفسس٢، ٤، كولوسي ٣: ٩-١١). نذكر أن هذا الصدام يتجسد على عدة مستويات منها؛ أيديولوجي، ثقافي، اجتماعي وكذلك أخلاقي.
نعم، يترك تابع المسيح حياته القديمة وطرقه الخاطئة وهذا أمر كتابي ومتفق عليه، لكن ماذا عن هويته الاجتماعية القديمة؟ ماذا عن المجتمع الذي ترعرع فيه؟ هل يجب قطع كل الروابط؟ هل هناك إمكانية للتناغم والانسجام بين الهويتين معا أو أن التابعية (للمسيح في هذه الحالة) تفرض مسبقا الانفصال، أي هوية اجتماعية جديدة واحدة؟ هذا تساؤل يطرحه الكثير من المؤمنين المسيحين الذين هم من خلفيات غير مسيحية والذين يعيشون وسط مجتمعاتهم بمختلف أديانها (علنا أو في الخفاء). وهنا يطرح سؤال مهم وهو، الى أي مدى يستطيع المؤمنين الجدد (المتحولون) سواء كانوا أفراد أو جماعات منظمة أن يمشوا على خطى المسيح وتعاليمه وفي نفس الوقت متمسكين بهوية بيئتهم والثقافة التي نشؤوا فيها؟ حسب المبدأ المشهور الذي كثيرا ما نستشهد به من الكتاب المقدس “أن نكون في العالم ولكن ليس من العالم”، سيناريو التناغم والتعايش ممكن جدا، بل ويبدو وكأنه في صلب رسالة المسيح لنا. أمثلة كثيرة وردت في الإنجيل حول هذا الموضوع، ومن بينهم “أنتم نور العالم”، “أنتم ملح الأرض. لا يمكن أن تخفى مدينة موضوعة على جبل”، “ولا يُوقدون سراجا ويضعونه تحت المكيال”. كيف سنساعد إذا المؤمنين الذين هم من خلفية غير مسيحية على أن يظلوا مخلصين لدعوة المسيح في بيوتهم وبيئتهم ولكن دون أن ينظر إليهم كغرباء أو كأعداء؟
قال المسيح في الإنجيل ” مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ” (متى٥: ١٧). على ضوء روح كلام المسيح نعتبر أن الهوية القديمة لدى المؤمن الجديد لا تُمحى عند الإيمان بالمسيح، بل إن الهوية الجديدة تطبع فوق الهوية القديمة. ما نقترحه هنا هو، من جهة، مساعدة وتوعية المجتمع غير المسيحي على تقبل أن حقيقة تابعية المسيح لا تعني بالضرورة نكران لجذور البيئة السائدة في ذلك المجتمع، بل بالعكس، المؤمنون المتحولون هم بحاجة ماسة للانتماء للمجتمع الذي ولدوا فيه وكذلك عقليته. من جهة أخرى، ندعو الى تجنّب القُطبية، بمعنى إما أن يحافظ المؤمن الجديد على إيمانه سرا ويستمر في ممارسة كل تقاليد المجتمع بغض النظر إن كانت عن قناعة أم لا، أو إظهار إيمانه في العلن وتوقع الانفصال التام عن جذوره. هذا الموقف الانقسامي لا يؤدي إلا للمزيد من التعقيدات في المجتمع، وذلك على جميع الأصعدة (نفسية، اجتماعية، جغرافية، سياسية). لعل أكبر الأوباء الناتجة عن هذه النظرة هم الاضطهاد والهجرة
للمزيد من النقاش في هذا الموضوع، اطرح أسئلتك وقدّم بعض الاقتراحات العملية في التعليقات
[1] https://link.springer.com/referenceworkentry/10.1007%2F978-1-4614-6086-2_9121
Gillespie, V. B. (1991). The dynamics of religious conversion: identity and transformation. Birmingham: Religious Education Press