يشبه تجديد الذهن التعامل مع شجرة عقيمة بلا ثمر. تحتاج هذه الشجرة الى تنظيف وتلقيح. تمامًا مثل النمو الطبيعي، يمكن أن يتوقف النمو الروحي بسبب ذهنيات غير سليمة تعيقنا عن تجربة المزيد من النضج في حياتنا. سنتطرق في هذا المنشور الى بعض الذهنيات غير الصحية التي يمكن أن تكون لدى المؤمن. سنقترح أيضا بعض الطرق لمحاولة تغيير تلك الذهنيات من أجل اختبار السلام والنجاح في حياتنا
ذهنية “الشفقة على الذات مقابل الاتكال على الله والاجتهاد”:
الشفقة على الذات هو موقف أناني إذ يجعلك تفكر في نفسك فقط وغالبا ما تقوم بإلقاء اللوم على الاخرين لعدم تقديمهم يد المساعدة. إذا كنت تطمح لذهنية تبحث عن النمو فليس لديك أي عذر. ان كنت من الذين يحتضنون ذهنية النمو، ابدأ في التعرف على التحديات ومن ثم اجتهد لإيجاد الحلول. قد لا تجد دائما ما تبحث عنه لكن تعلم الثقة في الله وعدم الاستسلام والقاء اللوم على الاخرين. هذه هي الذهنية التي جعلت يشوع وكالب (رجال في الكتاب المقدس) يرون رغم العراقيل فرصا جديدة عند استعدادهم لدخول أرض كنعان، في حين رأى أصدقائهم (الجواسيس العشرة) حواجز عملاقة. نفس الذهنية جعلت من النبي داوود يرى في خصمه فرصة كبيرة لتمجيد الله، في حين رأى الجميع عظمة جوليات بدل عظمة الله.
ذهنية “لو تحسنت اموري لكنت سعيدا”:
مجتمعنا الحديث مهووس بتجنب الألم والتحديات ويتوقع أن تكون هذه استراتيجية الله أيضا في التعامل مع الظروف. فعندما لا تتغير الأحوال من حولنا نتعجب وينتابنا شعور بالإحباط. لكن هل تكمن السعادة هي غياب المعاناة؟ تأتي السعادة عندما نبتدأ في تغيير نظرتنا للعالم وعندما نرى واقعنا بأعين الله. يريد الله أن يساعدنا على تعلم الطاعة في البرية لأنه إن لم نحافظ على وصاياه عندما تكون الحياة صعبة، لن نحفظها عندما تسير كل الأمور كلها على ما يرام. إنه يريدنا أن نكون أقوياء بما فيه الكفاية وناضجين بما يكفي لمواصلة التقدم في خطته لحياتنا بغض النظر عن الظروف. الله وحده يملك الخطة الكاملة للسعادة. ليس ما تملكه أو من أنت أو ما تفعله ما يجعلك سعيدًا أو غير سعيد. انما أفكارك، دوافعك، مواقفك اتجاه الله، الناس، ونفسك…وهذه كلها تلخّص في الذهنية. كما يقول (ديل كارنيجي) في نفس السياق؛ أنت لست بحاجة إلى إضافة المزيد من الأشياء إلى حياتك لكي تكون سعيدا. ما تحتاجه ربما هو التخلي عن الأمور التي تعيق نموك؛ مثل الخوف، الحديث السلبي عن النفس، الماضي الجريح، والمقارنة بالآخرين.
ذهنية “أريد أن أكون مميزًا وفريدًا”:
“نحن نعيش اليوم في ثقافة تجعلنا نشعر بأنا لسنا جيدين بما فيه الكفاية إلا إذا قمنا بشيء مميز وفريد”.[1] المشكلة لا تكمن فقط في هذه الذهنية لكن في تعريف المجتمع لما هو مميز وفريد. الام المربية في البيت باتت تشعر بأنها بدون قيمة. المعلم قد فقد مكانته بالمجتمع. بينما في الجهة المقابلة وضائف جديدة تبرز وتأخذ مكانة في المجتمع رغم أنها لا تفيد بتاتا الإنسانية. يصارع الكثير من الشباب في حياتهم من الاكتئاب والقلق ليس لأنهم يتألمون بل لأنهم في بحث مستمر من أجل تلبية متطلبات وتوقعات معينة يفرضها المجتمع. إذا معاناتنا ليس ناتجة عن الاختلافات والصراعات كما يصوره لنا الميديا، بل عن محاولة دمج الجميع في نظرة (ذهنية) واحدة وجامعة. نحن بحاجة إلى أن نفهم بأنه لا يصلح أن يجتمع الجميع في مربع واحد. خلق الله كل فرد بجماله وبمميزاته. لدينا كلنا مجالات من حياتنا حيث نحن جيدين بما فيه الكفاية. شخص يتفوق في المدرسة والآخر في علاقاته مع أقربائه. بنت تتميز في عملها والأخرى في الرياضة والعناية بجسمها. حسب الكتاب المقدس، كلنا مخلوقين على صورة الله الجميلة أي “صورة الله” تكمن في الإنسان وفي الأفراد وليس في إنجازاتهم أو مناصبهم. أنت عزيز على قلب الله كما أنت. تذكر أن لديك القدرة على أن، تكون، وأن تفعل أي شيء تريده عندما تثق في المسيح (فيليبي٤: ١٣). لا تدع الشعور بالضياع يستهلك قوتك بالكامل وتنسى أن تختار مخطط الله لحياتك. لقد منحك الله قوة كافية لخلق الحياة التي تريدها والحصول على الإجابات التي تبحث عنها في كلمته وشخصه وليس في مكان آخر
في خلاصة هذا المنشور عليّ أن أذكّر القارئ أن بغض النظر عن كونك مؤمنا مسيحيا (أو لا) أو مدى التزامك، فالمشكلة ليست في الايمان بحد ذاته إنما في العدسات التي ننظر من خلالها. بذهنية “أ” ستبتدأ في رؤية كل الأمور التي تحتوي على “أ” من حولك. أذكر عندما أردت شراء سيارة من نوع “هوندا أكورد” ابتدأت أرى الشارع مليء بسيارات “هوندا أكورد”. نميل إلى رؤية العالم من حولنا من خلال الذهنية التي نعتمدها. ما يصنع فرقا بين مؤمن وآخر هو ليس ما نؤمن به (العقائد والتقاليد)، إنما رؤيتنا للحياة والعدسات التي ننظر من خلالها. نجد أحد المقاطع العملية فيما يخص هذا الموضوع في (أفسس 5: 15-21)، حيث يتطرق بولس لبعض الخصائص المهمة التي تساعد المؤمن على التمتع بذهن مجدد. تحدّتني هذه القائمة وأتوقع أن تتحداك أنت أيضا لإعادة النظر في حياتك. تأمل في النص وشاركنا ما هي الجوانب التي تتطلع إلى تحسينها في حياتك
[1] https://www.tonyrobbins.com/mind-meaning/a-new-blueprint-for-happiness/