واحد من أفضل أبطال الأفلام بالنسبة لي هو إنديانا جونز. أحب أن أشاهد مغامراته وهو يبحث عن مشغولات حضارات الماضي. فأحيانًا يبحث علماء الآثار الحقيقيون لأعوام ولا يجدوا إلا قطعًا مبعثرة لأوانٍ فخارية. الأمر المذهل هو العناء الشديد الذي يتكبدوه ليجمعوا القطع المبعثرة معًا. في حالات كثيرة، يتمكنون من إعادة بناء كامل للآنية الفخارية على شكلها الأصلي
بغضِّ النظر عن الشقوق الواضحة، فما أن ينتهوا من أعمال التصليح، حتى تبدو وكأنها جديدة. ما أن يحدث الترميم، توضُع القطعة الثمينة عادةً في متحف تحت إضاءة خاصة وتُعرَض في مكان بارز على قاعدة حتى يراها الجميع ويستمتعوا بها
لكن هناك أيضًا هواة جمع لهذه الكنوز. في يوم من الأيام وأنا أصلي، رأيتُ مكانًا في رؤية. دخلتُ مبنى كبيرًا وفارغًا تقريبًا ومشيتُ في ممر ذي إضاءة معتمة ودخلتُ إلى غرفة كبيرة. كانت الغرفة معتمة باستثناء منطقة على اليسار
كان هناك أمامي حائط كبير مدهونًا بضربات فرشاة رسم دائرية، مما أعطاها مظهر العمل الفني. وكان أمام هذا الحائط صف من القواعد الزجاجية المضيئة وعلى كل منها إناء فخاريّ. كانت الغرفة تبدو وكأنها غرفة في متحف. وكانت كل قطعة فخارية غارقة في النور حتى أنه بإمكانك رؤيتها من قمتها، وقاعها، وجوانبها
حين اقتربتُ لأرى بتدقيق أكثر، لاحظتُ أمرين. كانت كل قطعة جميلة ومتفردة، وكانت كلها مشققة. كان للبعض شق أو اثنان واضحان، وللبعض الآخر شقوق كشبكة العنكبوت، تحيط بها. لكن كان من الواضح العناء الشديد المبذول في ترميمها ووضعها في مكانة التكريم
تفحصتُ بعناية الإناء الأول الذي كان على يساري. كان إناءً من تراب ولا توجد به زينة مرئية. كان بها شرخ واضح من فوق إلى أسفل، ولكنه كان مصلحًا بطريقة ممتازة. لكن كان الشرخ لا يزال مرئيًّا
الإناء التالي الذي كان على يميني كان إناء مزخرفًا عليه رسومات تعبر عن معارك رابحة وخاسرة. كان إناء خلابًا أزرق، به عيوب كثيرة تم إصلاحها
ثم تلاه إناء كلاسيكي جميل، طويل ورفيع، به زخارف على شكل أوراق شجر خضراء ذهبية. ورغم أنه قد تم إصلاحه، فقد كان هناك شق كبير يدور حوله من قمته لقاعه. كان يبدو وكأنه إناء لأديب
كان التالي إناء واسعًا قصيرًا عليه نقوش ظاهرة لسمك وبحر. كان الإناء جيدًا من الخارج لكن كان به شق كبير من الداخل، ويظهر العناء الذي بذله العاملون ليجعلوه يتماسك ودعمهم له ليصمد الإصلاح
كان آخِر إناء في الصف إناء عادي المظهر من أول وهلة، لكن الفحص الدقيق أظهر أنَّه إناء قد تحطم وتم تجميعه أكثر من مرة. كان يبدو أنَّه حتى القطع الصغيرة نفسها كانت مكسورة. لقد تمت إعادة بنائه وختمه بمهارة
تراجعتُ للوراء وتأملتُ في هذه الآنية، وتساءلتُ عن معناها، فكلمني صوت من ورائي وقال: أتريد أن تعرف مدلول هذه الآنية؟ لم أتلفت
افترضتُ أنه المالك وقلت: نعم يا سيدي. أرجوك أخبرني
فقال لي: انظر جيدًا للافتة التي على أول قاعدة. فاتجهتُ لها، انحنيتُ وقرأتُ المكتوب
قُلْتُ له: آدم؟
فأجاب: نعم. كان لآدم عيب كبير، وقد كلفني هذا العيب الكثير. لكن التكلفة كانت ثمنًا كنتُ مستعدًا جدًّا أن أدفعه
ثم طلب مني أن أنظر للقاعدة التالية. كان مكتوبًا على اللافتة: داود
فقال: نعم، كان للملك عيوب كثيرة، لكن يا له من إناء. ألا تتفق معي؟
فأجبتُ: بلى
ثم قال بصوت منخفض: كان هذا إناء أسرَّ قلبي
الإناء التالي، الكلاسيكي ذو أوراق الشجر الخضراء والذهبية، كانت عليه لافتة تقول: بولس
قال الصوت: بولس، بولس، إناء متعلِّم، مهذب وفخم. هذا الشق الحلزوني أضعفه كثيرًا، لكن نعمتي كانت كافية له
كانت اللافتة التي على الإناء الواسع الذي به نقوش عن البحر تقول: بطرس
وقال الصوت: كان هذا الإناء كبيرًا وقويًّا وقادرًا على الكثير لكنه تعرض لضرر كبير من الداخل. كان عليَّ أن أجعله يتماسك لبعض الوقت حتى يكتمل الإصلاح. وأصبح واحدًا من أعظم أعمالي. والآن انظر جيدًا للإناء التالي
فانحنيتُ لأقرأ اللافتة التي على الإناء المكسور مرتين ورأيتُ عليها اسمي. امتلأت عيناي بالدموع حين تذكرتُ التحطيم الذي كاد أن يدمرني، الدمار الذي عانيتُ منه في طفولتي بسبب طلاق والديَّ
نُسِيتُ مِنَ الْقَلْبِ مِثْلَ الْمَيْتِ. صِرْتُ مِثْلَ إِنَاءٍ مُتْلَفٍ. مزمور ٣١: ١٢
ثم التفتُ لأرى جامع الآنية المشققة فرأيتُ الله الآب. كانت عيناه فاحصة بقدر ما كانت ابتسامته دافئة
أشكرك أيها الآب أنك قمتَ بلم شمل قطع حياتي. فكان بيننا حب وقبول لا يُعبَّر عنه
ثم تقدَّم والتقط إناء آدم. وقال لي: يا ابني، منذ أن كان هذا الإناء الأول آدم، وهناك عيوب وشقوق في كل إناء أتى بعده
ثم ابتدأ ينتقل من قاعدة إلى أخرى، ويمسك بكل إناء بعناية ويمسحه برقة. ثم بعين الخبير، وضع كلَّا منها على قاعدته حتى يعكس النورُ الجمالَ الفريد لكل منها
وقال ثانية: لقد أرسلتُ ابني يسوع ليدفع ثمن كل الآنية المنكسرة وليجلب لي القطع. أتعرف يا بنيَّ؟ لم يصبح للآنية هذا الاستعمال الرائع إلا حين أصلحتُ الشقوق
وحين انتهى، ربت على كتفي، وابتسم، وابتعد عني متجهًا إلى المنطقة المظلمة في الغرفة. فأضاءت حين وصل لها. ولدهشتي، كشف النور أنَّ الغرفة كبيرة جدًّا. كانت تمتد إلى أبعد مما أرى. بحثت عيناي بسرعة عن الآب، فرأيتُه يمشي بعيدًا إلى وسط بحر من القواعد التي كانت تحمل مجموعة الآنية المشققة المفدية، وهي مجموعة لا يقدر إنسان على إحصائها
وَالآنَ يَا رَبُّ أَنْتَ أَبُونَا. نَحْنُ الطِّينُ وَأَنْتَ جَابِلُنَا، وَكُلُّنَا عَمَلُ يَدَيْكَ. إشعياء ٦٤: ٨