وقفت إلى جوار سريره في وحدة العناية المركزة ولم يكن بوسعي تمييز ملامحه. قبلها بلحظات اعطتنا الممرضة رسم بياني ملون بالحروق التي تعرض لها قائلة \”من حسن الحظ أنه صغير العمر. لقد أخذنا في الاعتبار صغر سنه ونحن بصدد تقييم خطورة الحروق التي تعرض لها لتحديد احتمال الوفاة.\” تعجبت وتساءلت إذا ما كنت قد سمعتها جيداً .. احتمال الوفاة؟ جلست بجانب ابني غير قادرة على استيعاب ما يحدث
أتى بنجامين لقضاء عيد الأب معنا. وفي أثناء رحلة عودته إلى الجامعة مع أصدقائه، احتكت السيارة بالسور الواقي على جانب الطريق في حادث فريد من نوعه. فانقلبت السيارة واشتعلت بالنار في الهواء. علق بنجامين بسبب حزام الآمان، وبطريقة معجزية استطاع الانفلات منه بعد أن نال نصيبه من حروق من الدرجة الثالثة في نصفه الأيمن. وفي موقع الحادث صرح المسئولون أنه لم يسبق لهم أن عثروا على ناجين من مثل هذا الحادث المُروع
سبق لي أن وقفت إلى جوار مرضى يعانون من حالات حرجة حيث دعاني الله مع زوجي لأن نصلي ونشجع إيمان العائلات التي تمر بأوقات عصيبة مذكرين إياهم بأمانة الله وصدق وعوده، ومقدمين لهم التعازي بالرجاء والسلام وسط المحن. في بعض الأحيان تحولت ظروف البعض منهم لاختبارات نصرة، والبعض الآخر تركناهم ونحن متحيرون نتساءل \”لماذا يا رب؟\” وبدون إجابة مؤكدة كنا نصلي من أجل سلام الله الذي يفوق كل عقل أن يسود على الجميع.
ولكني كنت الأم في ذلك الوقت. فإن كنت أؤمن بهذه الأمور من أجل الآخرين، ولكن ليس لذاتي، أفلا يعني ذلك أن كلمة الله غير صادقة. لا يمكن أن أسمح لإيماني أن يتغير لأن أبني هو المريض الآن
ليس بوسع أي أب أو أم في مثل هذه الظروف ألا أن يفعل أمر من اثنين: إما أن يثق في الله أو أن يقع فريسة القلق والخوف. ولم يكن بمقدوري أن أفعل الأمرين في ذات الوقت. لكن شكراً للرب لأن كلمته كانت محفورة في قلبي فكانت سبب تعزية وراحة لنفسي. لقد أصاب داود الملك عندما قال: لو لم تكن شريعتك لذتي لهلكت حينئذ في مذلتي. مزمور ١١٩: ٩٢
أخبرونا أنه من المتوقع أن يبقى بنجامين في المستشفى لبعض الوقت، حيث وضعوه تحت مروحة للمساعدة على الاستشفاء من الأذى الذي تعرضت له رئتاه والقصبة الهوائية، كما أجروا له عدة عمليات جراحية لتطعيم وترقيع الجلد. ولأن الحروق أصابت العديد من المفاصل، كان لابد من عمل علاج طبيعي، مع احتمال عدم قدرته على إداء بعض الحركات
كان بنجامين عازف درامز موهوب وكان له مستقبل رائع، لذلك كانت هذه الأخبار شبه مرفوضة، مع أننا لم نستطع إنكار الأخبار السارة بأنه مازال على قيد الحياة
كل ليلة كنت أضطر أنا وزوجي إلى مغادرة وحدة العناية المركزة، مع أننا كنا هناك نشعر بالراحة لوجودنا إلى جواره و نراقب التحسن على حالته. ولأننا كنا بشر، كنا ننظر إلى بعضنا البعض ونردد نفس العبارة ليلة بعد الأخرى:\”أخبرني أنه سيكون على ما يرام
بالرغم من مشاعري، كنت أُذكِّر نفسي بإيمان إبراهيم الذي على خلاف الرجاء آمن على الرجاء لكي يصير أباً لأمم كثيرة كما قيل هكذا يكون نسلك. روميه ٤: ١٨. لقد حانت لحظة الحقيقة، ومثلي مثل أي أم تمر بظرف مماثل، كنت أصرخ وأنا أراقب ابني. ولكني قررت: لن أصرخ لأن كلمة الله صادقة ولأن أمانته هي مصدر قوتي
كتبت في مذكراتي: أنا أثق في كلمة الله وأننا سننال نصرة وسط التجربة. لن أفقد الأمل لأني مؤمنة بأني سأرى جود الرب في أرض الأحياء. مزمور ٢٧: ١٣. وكما اختار ابراهيم ألا يضع رجاؤه في كلام الآخرين بل في كلمة الله، اخترت أنا أيضاً أن أفعل ذلك
بعد مرور سبع أسابيع وبعد إجراء ست عمليات جراحية، خرج بيجامين من المستشفى بعد استئصال القصبة الهوائية والعديد من عمليات الترقيع الجلدي المؤلم. كان علينا أن ندرك أن رحلة العلاج ستطول ولكننا جميعاً كنا متفقين على أن ما ذخرناه في قلوبنا قبل الحادثة هو ما جعلنا قادرين على تحمل مشقة الطريق. وها دقات قلبي تعلن \”الله أمين
نُشر هذا المقال أولاً على صفحات من الغمر ثم إعيد طباعته بإذن من المؤلف